عدد سجود السهو
سجود السهو هو من الأحكام المهمة التي تتعلق بصلاة المسلم، ويهدف إلى جبر الخلل أو النقص أو الزيادة التي قد تقع في الصلاة، سواء أكان ذلك سهواً في الأقوال أو الأفعال، أو في عدد الركعات، أو في أداء بعض الأركان أو السنن. ويعد سجود السهو رحمة من الله تعالى وتيسيراً لعباده في أداء العبادات؛ لما جبلت عليه النفس البشرية من النسيان والذهول. ويدور المقال حول عدد سجود السهو، صوره، أحكامه، أسبابه، وأقوال العلماء فيه بتفصيل فقهي دقيق مستند إلى النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، وآراء الفقهاء في المذاهب الأربعة.
مفهوم سجود السهو
سجود السهو هو سجدتان يؤديهما المصلي في ختام صلاته، لتعويض خلل وقع فيها سهواً، سواء أكان ذلك الخلل بالنقص أو بالزيادة أو بالشك. ويكون ذلك السهو من غير تعمد، لأن العمد يفسد الصلاة ولا يجبر بسجود السهو.
وقد دل على مشروعية سجود السهو ما ورد في الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ، منها ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: صلى بنا رسول الله ﷺ الظهر أو العصر فسلم في ركعتين، ثم قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ قال: “لم أنس ولم تقصر”، ثم تبين له ﷺ أنه نسي، فأكمل الصلاة وسجد سجدتين للسهو.
عدد سجود السهو
عدد سجود السهو هو سجدتان فقط، وهذا محل اتفاق بين جمهور العلماء من المذاهب الأربعة: الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة، ويؤديهما المصلي إما بعد السلام أو قبله بحسب موضع السهو ونوعه، كما سيتضح.
وقد وردت أحاديث صحيحة عن النبي ﷺ تؤكد أن سجود السهو يكون سجدتين، منها ما رواه مسلم عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ صلى بهم الظهر فقام في الركعتين ولم يجلس، فلما أتم صلاته سجد سجدتين، فكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم، وسجدتا السهو سجدتان.
أنواع السهو في الصلاة
السهو الذي يطرأ على الصلاة ينقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
أولاً: السهو بالنقص
ويحدث هذا النوع عند ترك المصلي ركناً أو واجباً من واجبات الصلاة سهواً، كأن ينسى التشهد الأوسط، أو يترك الجلوس بعد الركعتين، أو ينسى قراءة الفاتحة في ركعة، أو السجدة الثانية.
-
حكمه: يجب عليه سجود السهو إن كان المتروك من واجبات الصلاة، أما إن كان ركناً فلا تصح الركعة إلا بإعادة الركن.
-
محل السجود: غالباً يكون قبل السلام، كما هو مذهب المالكية والحنابلة في حال النقص.
ثانياً: السهو بالزيادة
مثل من زاد ركعة أو سجدة أو جلسة سهواً، كأن يصلي خمس ركعات بدلاً من أربع، أو يسجد ثلاث سجدات في ركعة واحدة.
-
حكمه: يجب عليه سجود السهو إن تعمد الزيادة بطلت صلاته، وإن كانت سهواً وجب السجود.
-
محل السجود: غالباً يكون بعد السلام، كما ورد عن النبي ﷺ في حديث ذي اليدين، حيث سجد بعد السلام حين زاد أو نقص.
ثالثاً: السهو بالشك
وهو التردد في عدد الركعات، فلا يدري أصلى ثلاثاً أم أربعاً. ويعد الشك من أبرز أسباب السهو.
-
القاعدة الفقهية: الشك يُبنى فيه على اليقين، فيأخذ الأقل (إن كان شاكاً بين ثلاث وأربع يبني على ثلاث).
-
محل السجود: يختلف بحسب الترجيح؛ فإن ترجح لديه أحد الطرفين سجد بعد السلام، وإن لم يترجح سجد قبل السلام.
مواضع سجود السهو: قبل السلام وبعده
الفقهاء اختلفوا في محل سجود السهو، هل يكون قبل السلام أم بعده؟ وهذا التفصيل على النحو التالي:
1. سجود السهو قبل السلام
يُشرع عندما يكون سبب السهو هو النقص، مثل ترك التشهد الأوسط أو السجود مرة واحدة في الركعة.
-
استدل العلماء بحديث عبد الله بن بحينة، أن النبي ﷺ ترك الجلوس في الركعتين الأوليين من الظهر، فسجد سجدتين قبل أن يسلم.
2. سجود السهو بعد السلام
يُشرع في حالة الزيادة، مثل من زاد ركعة أو قام قبل التشهد الأخير ثم رجع وأكمل.
-
الدليل حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، حيث سلم النبي ﷺ بعد ركعتين، ثم أتم صلاته وسجد بعد السلام.
3. الشك في المحل
إذا شك المصلي ولم يترجح لديه شيء، سجد قبل السلام. أما إن ترجح لديه أحد الأمرين (أن يكون صلى ثلاثاً أو أربعاً)، فيسجد بعد السلام.
اختلافات المذاهب الفقهية
المذهب الحنفي
يرى أن سجود السهو يكون بعد السلام، وهو واجب إن وقع نقص في واجب أو زيادة في فرض.
المذهب المالكي
يرى أن محل سجود السهو قبل السلام إذا كان السهو بالنقص، وبعده إذا كان بالزيادة. ويشترط عندهم النية في السجود.
المذهب الشافعي
يرى أن سجود السهو سنة، وليس واجباً، ومحله قبل السلام، إلا في حالة الشك المرجوح فيكون بعده.
المذهب الحنبلي
يرى أن سجود السهو واجب في النقص أو الزيادة، ويكون قبل أو بعد السلام بحسب السبب.
حالات تفصيلية لسجود السهو
| الحالة | نوع السهو | محل السجود |
|---|---|---|
| نسيان التشهد الأوسط | نقص | قبل السلام |
| القيام إلى خامسة في رباعية ثم التنبه | زيادة | بعد السلام |
| الشك في عدد الركعات ولم يترجح لديه | شك | قبل السلام |
| الشك وترجح لديه أحد الطرفين | شك مع ترجيح | بعد السلام |
| ترك ركن من الصلاة ثم تذكره | نقص في ركن | إعادة الركعة |
كيفية أداء سجود السهو
يتكون سجود السهو من سجدتين فقط، تؤدى على النحو التالي:
-
بعد انتهاء الصلاة أو قبل السلام، بحسب نوع السهو.
-
يكبر المصلي للسجدة الأولى.
-
يسجد سجدة واحدة يقول فيها: “سبحان ربي الأعلى” ثلاثاً أو أكثر.
-
يجلس بين السجدتين قائلاً: “رب اغفر لي”.
-
يسجد السجدة الثانية.
-
ثم يجلس للتشهد إن لم يكن قد تشهد، أو يسلم مباشرة إن كان التشهد قد تم.
أمور يجب مراعاتها في سجود السهو
-
لا يشترط فيه الطهارة إن كانت الصلاة صحيحة.
-
لا يُسلّم بين السجدتين، بل يجلس بينهما جلسة قصيرة.
-
لا يُزاد فيه شيء من الأقوال أو الأفعال غير المشروعة.
-
من نسي سجود السهو حتى طال الفصل، فلا يعود إليه إلا أن يتذكر مباشرة بعد السلام.
أهمية سجود السهو في الشريعة
سجود السهو يعكس رحمة الشريعة الإسلامية وتيسيرها، وقدرتها على استيعاب الطبيعة البشرية التي يغلب عليها النسيان. وهو يقي المصلي من الوقوع في الإثم، ويصحح له عبادته، دون حاجة لإعادة الصلاة كاملة في كل مرة يحصل فيها خلل صغير.
وقد ثبتت مشروعية هذا السجود في عدد كبير من الأحاديث، مما يدل على أهميته في ضبط نظام الصلاة، وتعزيز الوعي والتركيز في أداء الفريضة، وفي الوقت نفسه تحقيق الطمأنينة في قلب المسلم حين يطمئن أن السهو لا يبطُل عمله بل يجبر بسجدتين.
الخاتمة
إن معرفة عدد سجود السهو وطريقة أدائه وأسبابه من الأمور الضرورية لكل مسلم، لما لذلك من أثر في تصحيح الصلاة والمحافظة على صحتها وتمامها. ومما ينبغي التنبيه عليه أن يكون المصلي دائم التركيز والخشوع، لأن الغفلة قد تؤدي إلى تكرار السهو، مما قد يفضي إلى تضييع معاني الصلاة، وإن كانت الأركان قد أُتِي بها. إن هذا السجود ما هو إلا تجسيد لتوازن الشريعة بين الدقة والرحمة، بين التكليف والتيسير، وقد شرعه الله عز وجل عبر سنة نبيه ﷺ كجابر لخلل يقع في أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
المراجع:
-
ابن قدامة، المغني، دار الفكر.
-
النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر.
